فتحي النوري: المقاربة الإقتصادية هي الحلّ للخروج من الأزمة
انتظمت اليوم السبت 29 أكتوبر 2022 ندوة علمية تحت عنوان "مشكل الطاقة في تونس: الواقع وأزمة السياسات العمومية' والتي ينظمها مركز الدراسات الإستراتيجية حول المغرب العربي بحضور ثلة من المختصين في مجال الاقتصاد والاقتصادي الطاقي".
وأشار أستاذ الاقتصاد والعضو السابق بمجلس إدارة البنك المركزي فتحي النوري في تصريح لموزاييك أن قطاع الطاقة في تونس بداية الستينيات والسبعينات ولمدة الثلاث عشريات الأولى أين تم إكتشاف الطاقة والنفط والغاز في تونس كان يمثل مداخيل هامة للجباية ولتمويل ميزانية الدولة.
وأضاف "كانت نعمة الا انها وللأسف لم يتم إحسان التصرف في الهدية الإلهية خاصة أن السنوات الأخيرة أصبح قطاع الطاقة يمثل عبئا ثقيلا على الاقتصاد التونسي وميزانية الدولة والتوازنات الاقتصادية الكبرى بصفة عامة بعد أن كان يمثل 8 % من الدخل الخام أصبح يمثل -2% وضعفت نسبة المساهمة في الاقتصاد''، حسب تعبيره، مشيرا إلى ان تكلفة الفاتورة الطاقية في تونس ارتفعت خاصة أن الاستيراد يمثل حوالى 6 الى 7 مليار دينار تونسي أي 34% من فاتوة التوريد في تونس مما يخلق ثقلا كبيرا على الميزانين الجاري والتجاري.
وبخصوص الميزان الجاري، بيّن النوري أن الطاقة أصبحت تمثل عبئا ثقيلا حيث تتجاوز النسبة 40 % من العجز في الميزان الجاري متأتية من الطاقة مما يأثر مباشرة على مخزون تونس من العملة الصعبة.
وأشار إلى أن ميزانية الدولة من الطاقة كانت متأتية من المداخيل الجبائية للشركات التي تنتج وتعمل في تونس وتغطي نسبة كبيرة من الدعم الذى تسنده الدولة للمؤسسات والمواطنين إلا أن الحال اليوم وفي السنوات الأخيرة بالخصوص كل المداخيل الجبائية يتم استعمالها في الدعم والدولة تضطر إلى استعمال موارد أخرى من الميزانية للتغطية أي أن المداخيل الجبائية التى كانت بمثابة نعمة لتونس ومن جراء سوء التصرف وضعف الاكتشافات والسياسة الطاقية أصبحت تمثل عبئا وأصبحت تونس تعاني من مشكل كبير في الطاقة وبالأخصّ الدعم حسب قوله.
ولفت إلى أن مشكل المحروقات وضعف الإنتاج والاستكشاف هي مسألة مرتبطة بجيولوجيا الأرض التونسية المختلفة عن الجزائر وليبيا إلا أن المداخيل الجبائية للإنتاج أصبحت ضعيفة جدا ولا تفى بالحاجة.
وأوضح أستاذ الاقتصاد أن المشكل الكبير للمواطن العادي هو الدعم وبالخصوص رفعه، مبينا وجود طريقتين لرفع الدعم إما رفع كامل للدعم أو رفع الدعم تدريجيا أي أن كل سنة تتوجه تونس تدريجيا لرفع الدعم أو الزيادة في سعر المحروقات أو الجباية الطاقية.
7% من ميزانية الدولة متجهة للدعم ..
وأوضح النوري أن المواطن التونسي لم يستوعب قرار رفع الدعم بصدر رحب خاصة أن النقابات في تونس ترفع شعار "لا للإصلاح في ما يخص منظومة الدعم"، معتبرا أنّ الإصلاح يمكن أن يمثل مسّا من المكاسب والمكتسبات للطبقة الشغيلة وهو ممنوع في فلسفة الاتحاد والنقابيين وكل إصلاح يعتقد به المس من مصالح هو خطأ كبير حتى ما يقترحه الاتحاد من حلول تعتبر سهلة في مفهومها لكنها صعبة التطبيق مثلا في الأجر الأدنى زيادة بألف دينار هو أمر غير مقبول والميزانية لا تتحمل ذلك حسب تصريحه.
وقال النوري إن صندوق النقد الدولى هو الشيطان الذي يجب محاربته حسب مخيلة الشعب التونسي، نظرا لانه يفرض على تونس بدائل غير ممكن تطبيقها خاصة في الواقع الاقتصادي الذي تمر به البلاد.
وبيّن أنّ صندوق النقد لم يفرض على تونس رفع الدعم بل اقترح جملة من الإصلاحات وكل المختصين في الاقتصاد سواء في تونس أو في العالم يعتقدون انه عند الاقتراب من حقيقة الأسعار نقترب من الجدوى الاقتصادية ويجب أن يكون الطرح اقتصاديا بحتا لأن منوال التنمية لا يكون مجديا إلا إذا تم تطبيق حقيقة الأسعار أو الاقتراب منها.
وتابع "في تونس نرفض هذه المقاربة أي أن أي منوال تنمية قادم بالدعم لن يكون له أي جدوى اقتصادية وهذا هو المفهوم الاقتصادي استنادا إلى النظريات الاقتصادية.. وكل دول العالم تقريبا تطبق هذا المفهوم الا ان مفهوم السلطة هو مفهوم جبائي وتوازنات اقتصادية كبرى".
كما اعتبر النوري أن الدعم أصبح يمثل خطرا على ميزانية الدولة نظرا الى أن 7 % من الميزانية متجهة للدعم و48 % من حجم الدعم الكلى مخصص لدعم المحروقات وهو ما يعتبر خطرا على الميزانية والتوازنات الاقتصادية الكبرى والتوازنات المالية مما يجعل تونس تضطر الى التداين ويصعبّ الخروج للأسواق العالمية وطلب دعم من أي مؤسسة مالية اذا لم يكون هناك إصلاحات.
الإصلاح ممكن وهذه الحلول..
وأكد فتحي النورى أنه وللخروج من هذه الأزمة توجد فقط ثلاث مقاربات أولا المقاربة الاقتصادية البحتة والتى تم رفضها ثانيا المقاربة الشعبوية "لا للاصلاح اذا جاء من صندوق النقد الدولي" والتى ستؤدي الى اضطربات وضغط اجتماعي والمقاربة الثالثة متأتية من طرف الاتحاد والنقابات و"كل إصلاح هو مس من مكتسبات ومصالح المواطن والطلقة الشغيلة" وهو فهم خاطئ للإصلاح، حسب قوله.
وشدد النوري على أن الإصلاح ضروري اليوم اذا اردنا الوصول الى التوازنات الاقتصادية الكبرى والخروج من الأزمة العميقة والخطيرة التى يمكن ان تؤدي الى اضطرابات اجتماعية كبيرة في تونس ولا أحد يعلم أين تتجه تونس في سنة 2023-2024 مع غموض منوال التنمية.
وأكّد أن الإصلاح ممكن اذا تمت معالجة الأمر من الزاوية الاقتصادية البحتة وهي "كل دعم لا يؤدي إلى حقيقة الأسعار وحقيقة الأسعار لا تؤدي إلى الجدوى الاقتصادية"، مضيفا من الحلول التي يجب على المواطن التونسي ان يفهمها ويتفهمها ويتعامل معاها هيب التحول تدريجيا إلى تغيير السلوك في الاستهلاك الطاقي والتعامل مع الطاقة خاصة ان الدول أوروبية قامت ببرنامج كبير في هذا الإطار وهو الدعم لمستحقيه أي الطبقة الهشة إلى جانب تغيير السلوك في استعمال السيارات والكهرباء المنزلي وكل الموارد الطاقية التى يجب استعمالها بذكاء وعقلانية حتى نصل إلى شاطئ السلام ونساهم في إخراج الاقتصاد التونسي من ما هو عليه اليوم،ـ حسب تعبيره.
*أميمة علية